هو رجل وهب حياته للعلم وأفنى عمره و صحته في سبيله فكان بحق راهب العلم الأول في زمانه..
وهو رجل كان دائما رائدا في مجاله.. فهو أول عربي يحمل الدكتوراة في الأدب التركي، وأول من ألف كتابا بالعربية في تاريخ الأدب التركي، وأول من درس الأدب الإسلامي المقارن، وأول من ترجم شعرا من التركية، إضافة إلى انه أول عربي يجيد ثماني لغات شرقية وأوربية (الفارسية،التركية،الأردية،الفرنسية،الإنجليزية، الألمانية،الإيطالية والروسية).
وهو أول عربي ينظم الشعر بالتركية، والفرنسية والأردية والفارسية والروسية، ويترجم من هذه اللغات إلى العربية ولعله أيضاً العربي الوحيد الذي ترجمت كتبه إلى هذه اللغات وسجلت عنه وعن شعره رسائل جامعية عديدة في مختلف الدول الإسلامية فكان بحق عميد الأدب الإسلامي المقارن و الدراسات الشرقية.
إنه العالم الموسوعي الدكتور حسين مجيب المصري الذي استطاع طوال ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن الكشف عن كنوز الأدب الإسلامي وأثبت أن من أهم مظاهر الوحدة الإسلامية بين الشعوب هي الوحدة الثقافية، فأثرى المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفاته وترجماته النادرة، وعقد المقارنات بين آداب الشعوب الإسلامية، وجعلها تمتزج في نسيج واحد تحت عباءة الإسلام.
ولد الدكتور حسين مجيب المصري عام 1916 م لأسرة كبيرة وعائلة أرستقراطية فجده لامه محمد ثاقب باشا كان وزيرا للري في عهد الخديوي إسماعيل.
حصل على دبلوم معهد الدراسات الشرقية (الذي يعادل درجه الماجستير) حالت الحرب العالمية الثانية دون سفره لأعداد رسالة الدكتوراة , فاشتغل بالتدريس في جامعة القاهرة كما عمل في الصحافة , حتى وضعت الحرب أوزارها فسافر إلى تركيا عام 1952 ليبحث في رسالته والتي كانت عن الشاعر (فضولي البغدادي) وهو شاعر تركي عاش في العراق في القرن السادس عشر. وخلال بحثه, ونتيجة لكثرة إطلاعه على الكثير من المخطوطات النادرة المكتوبة بخط تصعب قراءته, فقد أصيب بانفصال بالشبكية ما لبث أن فقد بصره على اثره بالكلية , وبرغم ذلك فقد استمر في إعداد رسالته حتى نال بها درجه الدكتوراه عام 1955م , فكان أول عربي يحمل الدكتوراة في الأدب التركي
لقد عاش فقيدنا غريبا ومات غريبا في بلاد ربما لا تعبأ كثيرا بمثل هذا النوع من التفوق وهذا النوع من النبوغ .. وربما لأنه- رحمه الله - لم يتعلم - ضمن ما تعلم- أصول الوصول , إلا انه لم يخسر كثيرا بقدر ما خسرت جموع كثيرة من الشباب حيل بينها وبين علمائها و قدواتها الحقيقيين.
رحم الله فقيدنا الكريم و واجزل له المثوبة على ما قدم لدينه وأمته , وأبدله دارا خيرا من داره, وأهلا خيرا من أهله, وإنا لله و إنا إليه راجعون.
اتمنى لكم الافادة